القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المقالات [LastPost]

النظام الصرفيّ العربيّ وفيزيائيّة الكلمة العربيّة


علم الصرف


للّغات أنظمتها التي تحدّد هويّاتها ومعالمها الرئيسة، ومن الجليّ أن للغات خصائص تمضي بهداتها وتحدّد أشكالها وسماتها

ومن ضمن هذه المحدّدات ينبري علم الصرف فيحدّد المعايير التي تقونن هندسة الكلمة العربيّة، وهذا ما قُصِد من خلال مصطلح "فيزيائيّة الكلمة"، أي المقياس الذي تقوم عليه الكلام

مثل اصطلاح العرب وتواضُعُهُم- أي اتفاقهم على احتساب الميزان "فَعَلَ" معادلًا للفعل العربيّ الثلاثيّ المجرّد، ومنه تتحدّد المزيدات، أي ما يُزاد عليه...

واللافت في الأمر أنّ العرب تفصل بين الأصل والمحدّدات أو اللواصق التي لا تشكّل زيادة صرفيّة، كالضمائر وحروف العطف مثلًا.[1]

وعلى هذا الأساس تتّفق الأوزان الصرفيّة لتعين الراغب في غير شقّ من اللغة العربيّة؛ فلكلّ ميزان معنى، وهو ينفصل عن علم النحو أو الإعراب، فيدرس هيئة الكلمة وما توحيه من معنى فحسب.

وللّغة العربيّة قدرة على توليد الصيغ بعضها من بعض، والرجوع بها إلى أصل واحد (الجذر) يُحدّد مادّتها ويعبّر عن معناها الأساس وهو ما يُسمى "الاشتقاق".

والاشتقاق في اللغة هو أخذ شيء من شيء، واقتطاع فرع من أصل، ولفظ من لفظ، أو صيغة من صيغة أخرى، مع التوافق والتناسب بينها وبين المادّة الأصليّة التي تتفرّع منها فروع الكلمات والمعاني.

والجذر هو مركز الكلمة في اللغة العربيّة، ويكون ثلاثيًا إذا تألفت من ثلاثة أحرف أصليّة (صوامت) وهو الغالب، ورباعيًا إذا تألفت من أربعة وهو قليل، وخماسيًا إذا تألفت من خمسة وهو نادر.

نماذج حيّة من الصرف العربيّ:

نماذج حيّة من الصرف العربيّ


فمعجم لسان العرب لابن منظور مثلًا، بلغ عدد الجذور التي يضمّها 9273 جذرًا من بينها 6538 جذرًا ثلاثيًا بنسبة 70.51%، و2548 جذرًا رباعيًا بنسبة 27.47% و187 جذرًا خماسيًا بنسبة 2.02%.

ومعنى ذلك أن اللغة العربيّة قد رُوعيَت فيها الخفّة من حيث قلّة عدد الأحرف في أبنيتها الأصليّة.

وفي هذا الإطار يقول المستشرق الألماني جب (Gibb.H) إن التحديد المكثف لجذر الكلمة في العربيّة قد أدّى إلى الاقتصاد اللطيف في التعبير

وأجمل تعبير يأخذ باللب في العربيّة هو ذلك التعبير الموجز المحدّد بالمعاني العديدة، ولذا كانت الأمثال العربيّة لا تتعدّى ثلاثة أو أربع كلمات وكان شعر الشعراء يقوم على مدى قدرة الشاعر على تأدية الصورة الشعريّة الكاملة في بيتٍ واحد من الشعر[2]. 

فالجذر (ق ر أ) مثلًا يدلّ على معنىً في الذهن متعارف عليه بين الجماعة اللغويّة هو (القراءة)

وتتفرّع منه مفردات عديدة سواء بالتغيير الداخلي الذي يطرأ على حركات حروفه، أو بإضافة بعض الحروف إليه (سوابق، لواحق ودواخل) على النحو التالي: اِستَقرأَ - اِستقراء - اِقتَرأ- اِقرَورى – اِنقراء – إِقراء - تقرّأ – قارأ - قرائيّ – قرّاؤون – قُرّاء – قرْأة – قوارئ - قرآن... إلخ.[3]

جميع هذه الأسماء والصفات تعود إلى أصلٍ واحد ( ق- ر-أ) الذي يحدّد مادتها ويوحي بمعانيها المشتركة الأصليّة

وهذا ما سمّاه اللغويون الاشتقاق الأصغر. ومن سنن العرب في توليد الألفاظ والمعاني كذلك "الاشتقاق الأكبر" وهو أن يؤخذ أصل من الأصول الثلاثيّة، فيُعقَد عليه وعلى تصاريفه الستة معنىً عامّ مشترك

ومن أمثلة ذلك مادّة (قول) فتقليباتها: قلو – وَقَل – ولَق – لقو – لوق، وتأتي كلها بمعنى القوة والشدّة.

ومادّة (سمل) وتقليباتها: سلم – مسل – ملس – لمس - لسم وتأتي كلها بمعنى الإصحاب والملاينة[4].

والقيمة العلميّة لخاصيّة الاشتقاق أنها تعزز من قدرة اللغة العربيّة على الوفاء بالمتطلبات العلميّة الحديثة ولا سيما صياغة المصطلحات وتوليد الألفاظ الجديدة والبرمجة الحديثة.



علم الصرف

إحالات


[1] لمزيد من الاطّلاع راجع كتبًا مهمّة في علم الصرف العربيّ ككتب التصريف لقطرب وابن عصفور وابن يعيش وغيرهم...

[2] Gibb, 1963, p9.

[3] معجم المعاني

[4] ابن جني، 1952، ج1، ص490-493.
reaction:

تعليقات