القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المقالات [LastPost]

جلال الدين السيوطيّ: لغة الجمع والترتيب

جلال الدين السيوطي: نشأته وظروف عصره وإنتاجه اللغويّ

جلال الدين السيوطيّ



هو "عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمد بن سيف الدين خضر نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همّام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي".[1]

أمّا عن مولده فيقول السيوطيّ: "كان مولدي بعد المغرب مستهلّ رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة."[2]

اللافت في السيوطيّ أنّه قدّم ترجمته لنفسه بنفسه ممّا جعل مسألة دراسة سيرته أمراً ميسّراً للدّارسين، وقد برّر السيوطيّ هذه الترجمة بقوله: "ما زالت العلماء قديماً وحديثاً يكتبون لأنفسهم تراجم. ولهم في ذلك مقاصد حميدة، منها التحدّث بنعمة الله شكراً، ومنها التعريفُ بأحوالهم ليُقتدى بهم فيها ويستفيدها من لا يعرفها، ويعتمد عليها من أراد ذكرهم في تاريخ أو طبقات."[3].

وقد نشأ السيوطيّ في بيت علمٍ وأدبٍ. فيمكن الاستنتاج من خلال ترجمته لوالده بأن الجوّ العلميّ كان موجوداً وحاضراً في بيته. إذ يقول: "والدي هو الإمام العلّامة ذو الفنون الفقيه الفرضيّ الحاسب الأصوليّ الجدليّ النحويّ التصريفيّ البيانيّ البديعيّ المنشىء المترسّل البارع."[4] .

هذا الكلام يثبت قيمة والد السيوطيّ العلميّة بالتالي منشأ السيوطيّ في بيئة علميّة. وقد ختم السيوطيّ القرآن الكريم وهو دون الثامنة من عمره، ذلك بعد وفاة والده. من خلال قوله: "فحفظت القرآن ولي دون ثماني سنين ثم حفظت العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفيّة ابن مالك".[5]

إذن عمل السيوطيّ على الحفظ والتجميع أوّل الأمر، ليتسنّى له التمكّن من المعلومات والتأسيس الفكريّ اللازم والشقّ النظريّ الواضح، فيتفرّغ بعد ذلك للمباشرة بالاشتغال العلميّ.

أمّا على صعيد المباشرة بالاشتغال العلميّ، "ولمّا بدأت سنة أربع وستين بدأت الخطوة الثانية وهي الاشتغال بالعلم، وكانت سنّ السيوطيّ إذ ذاك خمسة عشر عاماً تقريباً، أي أن السيوطيّ قبل هذه السنة كان مشغولاً بالحفظ: حفظ القرآن الكريم، وحفظ الكتب المشار إليها."[6]

جلال الدين السيوطيّ


توخّى السيوطيّ أن يأخذ كامل وقته في الحفظ والتبحّر في الكتب وتثبيت المعلومات والمعارف قبل المباشرة بالاشتغال وإبداء الرأي في المسائل.

" أمّا المرحلة الثالثة فهي مرحلة التلقّي والأخذ، وهي مرحلة أهمّ سماتها الفهم والإدراك والاستيعاب للقضايا العلميّة في ضوء الشرح والتحليل."[7]

هذه المرحلة قد تُشكّل التوسّع في فكر السيوطيّ والتمكّن بمزيدٍ من الاستيعاب والتجميع المنهجيّ السليم، بحيث يتمّ تنظيم القضايا المطروحة بحسّ علميّ سليم ونظرة منهجيّة تعنى بترتيب المعطيات، ومن بعد هذا الترتيب الذي راعي الأصول العلميّة اللازمة يأتي دور الشرح والتحليل والتعقيب.

فالسيوطيّ أجاد فنّ التجميع والترتيب وحفظ المسائل بشكل واضح جليّ، ممّا يُسهّل على المتلقّي إيجاد ما يريد بيسر وتنظيم.

هذا الترتيب رافقه تبرير وتحليل وشرح وتعقيب متى ما دعت الحاجة أو الأمانة العلميّة، التي لجأ السيوطيّ إلى اعتمادها أساساً في مرحلة التلقّي والأخذ.

وقد نشأ السيوطيّ في العصر المملوكيّ، في زمن الجراكسة تحديداً عصر (سيف الدين أبي سعيد برقوق) الملقّب بـ"الظاهر"[8]، وهي الحقبة التي أعقبت هجمة المغول على بغداد وبلاد فارس، وقيامهم بالتقتيل والجور والاستبداد ممّا تحفل به كتب التاريخ.

أمام هذا الواقع وجد العلماء في بلاد الشام ومصر ملاذاً آمناً ينجّيهم من مظالم المغول، إذ حافظ المماليك على بعض الدعائم والاستقرار النسبيّ أمنياً، بيد أنّ هذه الحقبة قد وُصفت بالاضطراب السياسيّ وغياب النظام الواحد، فقد كَثُرت فيها الانقلابات وخلع الحكّام عزلاً أو قتلاً...

لكنّ اللافت في الوُلاة الذين استلمو سُدّة الحكم أيام السيوطيّ، اهتمامهم بالعلم وتطويرهم المساجد والمدارس وميولهم العلميّ ودعمهم لأربابه والمشتغلين فيه.

هذا الاهتمام شكّل البيئة المناسبة في إنتاج بعض المؤلّفات المهمّة للمكتبة العربيّة، التي تعدّ مراجع موثوقة لا سيّما في اللغة العربيّة.

نذكر من هذه المؤلّفات: معجم لسان العرب لابن منظور، القاموس للفيروز آباديّ، الألفيّة لابن مالك وغيرها...

محمد حمادي.

إحالات

[1] جلال الدين السيوطيّ، التحدّث بنعمة الله، تح: إليزابيث ماري سارتين، المطبعة العربيّة الحديثة، مصر، لا ط، لا ت، ص:5.
[2] م. ن، ص: 32.
[3] م. ن، ص: 3.
[4] م. ن، ص: 5.
[5] جلال الدين السيوطيّ، حسن المحاضرة، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، مصر، ج1، ط1، 1967، ص:335.
[6] عبد العال سالم مكرم، جلال الدين السيوطيّ وأثره في الدراسات اللغويّة، مؤسّسة الرسالة، بيروت، ط1، 1989، ص: 126.
[7] م. ن، ص: 127.
[8] م. ن، ص: 51.
reaction:

تعليقات