القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المقالات [LastPost]

النقد الثقافيّ للأدب

النقد الثقافيّ للأدب


يعدّ النقد الثقافيّ من أبرز التيّارات النقديّة الحديثة التي تمخّضت عن التغيّرات التي عرفتها مرحلة ما بعد الحداثة، إذ جاء هذا التيّار النقديّ بمنظومة مصطلحيّة ومفاهيميّة وإجرائيّة بديلة عن تلك التي ارتبطت بالنقد الأدبيّ الجماليّ

ومن جملتها: عناصر الرسالة الستة (الوظيفة النسقيّة)، والمجاز الكلّيّ، والتورية الثقافيّة بديلًا عن المجاز البلاغيّ والتورية البلاغيّة، والجملة الثقافيّة رديفة للجملتين النحويّة والأدبيّة، ونقد الأنساق المضمرة القابعة خلف جماليات النص بدلًا من نقد النصوص تمهيدًا لوعيٍ نقديّ ثقافيّ مختلف نوعيًّا وإجرائيًّا؛

" لا يخضع لقانون محدّد، ولا لمنهج له إجراءاته، فهو ينهض على الرؤية الذاتيّة ذات الطابع الاجتهاديّ، مسألة الجزم بوجود نسقيْن متناقضيْن، أو أحدهما ناسخ والآخر منسوخ"[1].

ينظر النقد الثقافيّ إلى النصّ " كمادّة خام بحيث لا يُنظر إليه بمعزل عن الظواهر الأخرى ولا يقرأ لذاته أو لجماليّته فقط، بل يعامل النصّ بوصفه حامل نسق، وهذا النسق هو الذي يسعى النقد الثقافيّ إلى كشفه متوسّلًا بالنصّ، فالنصّ مجرّد وسيلة لاكتشاف حيل الثقافة في تمرير أنساقها، كما أنّ النقد الثقافيّ يستخدم أدواته للغوص في ما وراء النص من أجل الكشف عن كلّ ما يمكن تجريده منه"[2].

أشار هوغارت[3] إلى مصادر الدراسات الثقافيّة المتمثّلة في "التاريخيّة الفلسفيّة والسوسيولوجيّة." والأدبيّة النقديّة وعملت هذه الدراسات على استنتاج العمق الأيديولوجيّ لقضايا ثقافة المجتمع البشريّ الذي ما زال يتعرّض لعمليّة إخضاع تصوغ طرائق صتاعته للأحداث

وأهمّ من ذلك أنها تضعه في شبكة اجتماعيّة وفي منظومة علاماتية تفوق قدرته على إدراك فعلها به، "لذا لا يكون التاريخ مجرّد حقائق وأحداث تقع خارج النص، بل هي علاماتيّة ألسنيّة."[4]

تجعل كلّ شيء خارج النصّ مؤثّرًا في تلقّيه وإنتاجه، لأنّ النصّ في النقد الثقافيّ "ليس معزولًا عن علاقات إنتاجه التاريخيّة، ولا عن نسقه التأثيريّ، فمضمرات الخطاب فعل إنساني تاريخيّ متأثّر بالمجتمع ومؤثّر فيه."[5]

والعلاقة القائمة بين النصّ والمجتمع هي علاقة "ديالكتيكيّة"منتِجَة ومنتَجَة في آن، فالمجتمع يشارك في النصّ، ويشارك أيضًا في إعادة إنتاج المجتمع والتعليم والسلوكيّات الاجتماعيّة.[6] فالنصّ والتاريخ منسوجات ومدمجات معًا كجزء من عمليّة واحدة.

وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار النقد الثقافيّ مشروعًا في نقد الأنساق، وعدم الاستسلام "لإغواء الأيديولوجيا بما يسمح بتحرير الأنساق المجيبة، وبإخضاع المتعة للتحليل النقديّ مهما تسربلت في صور جميلة وممتعة."[7] وتكون الأنساق المضمرة في النصّ نقيضًا للأنساق العلنيّة، التي غالبًا ما تتحايل على المضمر الثقافيّ.

النسق ذو طبيعة سرديّة تتحرّك في حبكة متقنة، لذلك هو قادر على الاختفاء دائمًا، كما يجسّد جبروتًا رمزيًّا ذا طبيعة مجازيّة كلّيّة (جماعيّة وليست فرديّة شأن المجاز البلاغيّ)، كما أنّ "لا بدّ أن يكون النصّ جماهيريًّا ويحظى بمقروئيّة عريضة[8]، لأنّ النقد الثقافيّ لا يسلّط الضوء إلّا على النصوص الجماهيريّة باعتبار أنّ جماهيريّتها وشيوعها دليل تفشّي الأنساق الثقافيّة الكامنة في السياق المجتمعيّ.

إحالات

[1] اللويش، محمد بن لافي، جدل الجماليّ والفكريّ قراءة في الأنساق المضمرة عند الغدامي، بيروت، مؤسسة الانتشار العربيّ، ط1، ص: 147-148.
[2] إبراهيم، عبدالله، الثقافة العربيّة والمرجعيّات المستعارة: تداخل المفاهيم والأنساق ورهانات العولمة، المركز الثقافيّ العربيّ، بيروت، 1999.
[3] هوغارت Hoggart (1918- 2014): بريطانيّ الجنسيّة وأكاديميّ يعمل بمجالات علم الاجتماع والأدب الإنكليزيّ والدراسات الثقافيّة بالأخص الثقافة البريطانيّة الشعبيّة http// wikipidiaزيارة الموقع 176/9/2020.
[4] الغذامي، عبدالله، النقد الثقافيّ: قراءة في الأنساق الثقافيّة العربيّة، المركز الثقافيّ العربيّ، بيروت، ط3، 2005، ص:47.
[5] اللويش، ص:56.
[6] اللويش، م س، ص: 133- 134.
[7] المصباحيّ عبد الرزاق، النقد الثقافيّ من السق الثقافيّ إلى الرؤيا الثقافيّة، بيروت، مؤسّسة الرحاب الحديثة، 2014، ط1، ص: 21- 22.
[8] المصباحيّ، عبد الرزاق ، ص: 31.
reaction:

تعليقات